فصل: ذكر الحوادث في سنة ثمان عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ذكر الحوادث في سنة ثمان عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم

وصول أبَرْوِيز بن هُرْمز إلى ملك الروم مستغيثًا فقبله وزوَجه ابنته وكان هرمز حينئذ مخلوعًا من الحوادث في سنة تسع عشرة من مولده صلي الله عليه وسلم‏.‏

هلاك هرْمز بن كسرى فإنهم قتلوه بعد خلعه وكانت ولايته إحدى عشرة سنة وسبعة أشهر وعشرة أيام‏.‏

وقال هشام بن محمد‏:‏ كانت ولايته اثنتي عشرة سنة‏.‏

وفيها‏:‏ ولي ابنه أبَرْويز وكان يُسمى كسرى أيضًا وكان من أشدّ ملوكهم بطشًا وأنْفذهم رأيَاَ وأبْعدهم غوْرًا وبلغ من النًجدة والظًفَر وجمْر الأمْوال ما يتهيًأ لملك أكثر منه ولذلك سُمي أبرويز وتفسيرُه بالعربية‏:‏ ‏"‏ المظفر ‏"‏‏.‏

واجتمع له تسعمائة وخمسون فيَلاَ واتري الذكورة على الأناث ووضعت عنده فيلة وهي لا تتلاقح بالعراق فكان أحدً الناس قامةً وأبرعهم جمالًا لا يحمله إلا فيل وكان قد استوحش من أبيه هرمز وخاف فهرب إلى أذربيجان فبايعه جماعة ممن كان هناك ثم وثب قوم علىِ أبيه هرمز فسملوه فقدم أبرويز فتولى وتوج بتاج الملك وجلس على سريره وقال‏:‏ إِنَ ملتّنا إيثارَ البِرّ ومن رأينا أن نعمل بالخير وأن جدَنا كِسْرى بن قُباذ كان لكم بمنزلة الوالد وأن هرمز أبانَا كان قاضيًا عادلًا فعليكم بلزوم السمع والطاعة‏.‏

فلما كان في اليوم الثالث أتى أباه فسجد له وقال‏:‏ عمَرك الله أيها الملك إنك تعلم أنَي برىء مما أتى إليك المنافقون وأني إنَّما تواريت ولحقت بأذربيجان خوفًا من إقدامك على قتلي‏.‏

فصدًقه هرمز وقال له‏:‏ إن لي إليك ‏"‏ يا بني حاجتين‏:‏ إحداهما‏:‏ أن تنتقم لي ممَن عاون على خلْعِي والسَّمْل لعيني ولا تأخذك فيهم رأفة والأخرى‏:‏ أن تُؤْنسنِي كلَّ يوم بثلاثة نفر لهم إصابة رأي وتأذن لهم في الدخول عليَّ فتواضع له أبَرْويز وقال‏:‏ عمَّرك الله أيُّها الملك إن المارق بهرام قد أظلَنا معه النّجده ولسنا نقدر أن نمدً يداَ إلى من آتى إليك بما آتى فإن أدالنِي الله على المنافق فأنا خليفتُك وطوْع يدك‏.‏

ثم أقبل بهرام نحو المدائن فخرج إليه أبرويز فالتقيا فقال له أبرويز‏:‏ إنك يا بهرام ركن لمملكتنا وسنادٌ لرعيتنا وقد رأيْنا أن نخْتار لك يومًا صالحًا لنُولِّيَكَ فيه أصْبَهبذة بلاد الفرس جميعاَ‏.‏

فقال له بهرام‏:‏ لكنِّي أختار لك يومًا أصلبك فيه‏.‏

فاغتاظ أبرويز ولم يظهر عليه أثر ذلك وتفرقّا على الاستجاشة ثم خاف من بهرام فأحْرَزَ نساءَه وشَخصَ إلى ملك الروم فلما خرج بأصحابه من المدائن خافوا من بهرام أن يردّ هرمز إلى الملك ويكتُب إلى ملك الروم عنه في ردّهم فَيُتْلَفوا فأعلموا أبَرْوِيز وسألوه الإذن في إتلاف هرمز فلم يحر ْجوابًا فانصرفوا فاتلفوه خَنْقَاَ ثم رجعوا إلى أبرويز وقالوا‏:‏ سِرْ على خير طائر‏.‏

وأخرج بمَنْ معك فلبسها واطلع من فوق الدَّير يوهمهم أنه أبرويز وقال‏:‏ أنظرونا إلى غدٍ ليصير في أيديكم سلمًا‏.‏

فأمسكوا وسار أبرويز حتى أتى أنطاكية وكاتب مَوْريق ملك الروم وسأله نصرته فأجابه وبعث إليه أخاه في ستين ألف مقاتل‏.‏

فاما بهرام فإنه دخل دور الملك بالمدائن وقعد على سرير الملك وتتوج وانقاد له الناس خوفًا منه‏.‏

وأما أبرويز فإنه اجتمع إليه خلق كثير فسار بهم وخرج إليه بهرام وجرت بينهم حروبٌ شديدة وتبارزوا فأخذ أبرويز رُمْح بهرام من يده وضرب به رأسه حتى انقصف فاضطرب على بَهرام أمره ورحل نحو الترك وصار أبرويز إلى المدائن ففرق في جنود الروم عشرين ألف ألف وصرفهم إلى ملكهم وأقام بهرام في الترك مكرمًا عند ملكهم حتى احتال له أبَرْوِيز بتوجيه رجل يقال له هُرْمز ووجَّهه بجوْهر نفيس وغيره فاحتال لخاتون امرأة الملك ولاطفها بذلك الجوهر وغيره حتَى دَسَّت لبهرام مَنْ قتله فعلم الملك فطلَق زوجته ذكر قصة شيرين وذكر أهل العلم بالسير‏:‏ أن شيرين وُلدت بالمدائن وكانت يتيمة في منزل رجل من الأشراف وكان أبرويز صغيرًا يدخل منزل هذا الرجل فيلاعب شيرين ويمازحها وتمازحه فأخذت في قلبه موضعًا ونهاها الذي هي في منزله عن التعرض لأبرويز ثم راها يومًا قد أخذت من أبرويز ختمًا كان في إصبعه فقال‏:‏ ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي ولا تعرضينا للهلكة‏.‏

ثم أمر بعض مَنْ يثق به أن يحملها إلى شاطىء الفرات ويغرقها فحملها إلى شاطىء الفرات ليغرقها فقالت له‏:‏ ما الذي ينفعك من غرقي‏.‏

فقال لها‏:‏ إني قد حلفت لمولاي ولا بد فقالت‏:‏ فما عليك أن تأتي موضعًا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه وتتركني وتمضي فإن نجوت لم أظهر دمت باقية لم يكَن عليك شيء‏.‏

قال‏:‏ أفعل ذلك‏.‏

فأتى موضعًا فيه الماء إلى الركبة فزجها فيه وتركها تضطرب ثم ولى عنها لا يلتفت‏.‏

ثم وافى مولاه فأخبره وحلف له أنه غرقها ثم أنها خلصت من الماء فأتت بعض الديارات التي على شاطىء الفرات فآوت إليه وأعلمت الرُّهبان أنها قد وهبت نفسها لله تعالى فأحسنوا إليها فلما استقر الملك لأبرويز بعد أبيه هُرْمز وجًه برسله إلى قيصر فاجتاز الرُسُل بالدير فسألت شيرين عن ذلك فاعلمت أن القوم رسل أبرويز الملك ومعهم هدايا إلى قيصر وأخبروها بملكه وما آل إليه أمرُهُ فوجهت إلى رئيس الرُّسل متنصحة له تخبره أنها أمة الملك أبرويز وسألته إيفاد رسول إليه تخبره بمكانها ووجَّهت معه بذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسوله قاصدًا إلى الملك يخبر خبر شيرين ومكانها والخاتم فلمَا وَرَدَ الرسول على أبرويز أمر للرسول بمال عظيم وجعل له رتبة جليلة ببشارته ووجه معه بخدم ومراكب وهوادج وكساء وحُليِّ وطيب ووصائف حتى أتوه بشيرين فَوَرَدَ عليه من الفرح ما لم يفرح بشيء مثله وكانت من أكمل النساء كمالًا وجمالًا وبراعة وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها كالعفراء وكان قد شرط على نفسه أن لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة إلا أتاها قبل ذلك وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد لباضعه فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبتْ وعرّفته العهود فرماها بكل معضلة من الفجور وبعث الشعراء على ذمَها فلما لج ولم يجد عنه محيدًا بعد أن غصبها جميع مالها وضياعها فقالت‏:‏ افعل ما سألت بعد أن تقضي لي ثلاث حوائج‏:‏ تردّ عليَ أموالي وضياعي وتُسلَم لي قتلة زوجي وتدعو العظماء والأشراف فترقى المنبر فتبرئني مما قُذفت به من الفجور‏.‏

ففعل ذلك فقتلت قتلة زوجها بأفحش قتل ووقفت ضياعها وفرقت مالها في أهل الحاجة فقال لها‏:‏ هل بقيِت لك حاجة فقالت‏:‏ نعم إن الملك أوفى عني وديعة وجعلها أمانة في عنقي إن أنا تزوجت أن أردها إليه فتأمر بفتح الناووس حتى أدفعها إليه‏.‏

ففتح لها الناووس فدخلت وقلعت فص خاتم في يدها تحته سُمّ ساعةٍ فمصته ثم اعتنقت أبرويز ولفَت عليه يِديها ورجليها حتى ماتتَ فلما أبطأت على الحواضن والخدم صاحوا بها فلم تجب فدخلوا فوجدوها ميتة معانقة لأبرويز فأخبروا شرويه فندم ندامة لا توصف وجعل يأكل أصابعه على صنيعها‏.‏

من مولده صلي الله عليه وسلم حرب الفجار الثاني عند بعض الرواة‏.‏

وقد سبق ذكره‏.‏

ومن الحوادث هذه السنة

 حلف الفضول

وحضره رسول الله صلي الله عليه وسلم قاله أبن قتيبة‏.‏

سببه‏:‏ أن قريشًا كانت تتظالم في الحرم فقام عبد اللة بن جدعان والزبير بن عبد المطلب فدعوا إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا في دار ابن جدعان‏.‏

أنبأنا يحيى بن الحسين بن البنا قال‏:‏ أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال‏:‏ أخبرنا المخلص قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال‏:‏ أخبرنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدًثنىِ أبو الحسن الأثرم عن أبي عبيدة قَال‏:‏ كان سبب حلف الفضول أن رجلًا من أهل اليمن قدم مكة ببضاعة فاشتراها رجل من بني سهم فلوى الرجل بحقه فسأله ماله فأبى عليه فسأله متاعه فأبى عليه فقام على الحجر وجعل يقول‏:‏ بال قُصيٍّ لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنَفر قال‏:‏ وقال بعض العلماء‏:‏ إن قيس بن شبة السلمي باع متَاعًا من ابيّ بن خلف فلواه وذهب بحقه فاستجار برجل من بنىِ جمح فلم يقم بجواره فقال قيس بن شبة‏:‏ يال قصيّ كيف هذا فْي الحرم وحرمة البيت وأخلاقه الكرم أظلم لايمنع مني من ظلم فقام العباس وأبو سفيان حتى ردا عليه فاجتمعت بطون من قريش في دار عبد اللّه بن جُدْعان فتحالفوا على رد المظالم بمكة وأن لا يُظلم أحد إلا منعوه وأخذوا له بحقه وكان حلفهم في دارعبد الله بن جدْعان‏.‏

فقال رسول اللهصلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لقد شهدتُ حلْفًا في دارعبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حُمْر النعم ولو دعيت به لأجبت ‏"‏‏.‏

فقال قوم من قريش‏:‏ هذا والله فضْل من الحلف فسمَي حلف الفًضول‏.‏

قال الزبير‏:‏ وقال آخرون‏:‏ تحالفوا على مثل حلف تحالف عليه قوم من جُرْهم في هذا الأمر أن لا يقروا ظلمًا ببطن مكة إلا غيروه وأسماؤهم‏:‏ الفضل بن شراعة والفضل بن بضاعة والفضل بن قضاعة‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ والله أعلم أي ذلك كان‏.‏

قال الزبير‏:‏ وحدثني عبد العزيز ابن عم العنسي قال‏:‏ أهل حلف الفضول‏:‏ بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العُزّى وبنو زهرة وبنو تيم تحالفوا بينهم بالله أن لا يُظلم أحدا إلا كنا حميةً مع المظلوم على الظالم حتى نأخذ له مظلمته ممَن ظلمه شريفًا كان أو وضيعًا‏.‏

قال الزبير‏:‏ وحدثني إبراهيم بن حمزة عن جدي عبد الله بن مصعب عن أبيه قال‏:‏ إنما سمَي حلف الفضول‏:‏ أنه كان فى جُرْهم رجال يردون المظالم يقال لهم‏:‏ فضيل وفضال ومفضل وفضل فلذلك سُمَي‏:‏ حلف الفضول‏.‏

قال‏:‏ وحدثني محمد بن حسن عن نوفل بن عمارة عن إسحاق بن الفضل قال‏:‏ إنَما سمت قريش هذا الحلف حلف الفضول‏:‏ أن نفرأ من جُرْهم يقال لهم‏:‏ الفضل وفضال والفضيل تحالفوا على مثل ما تحالفت عليه هذه القبائل‏.‏

قال‏:‏ وحدثني محمد بن حسن عن نصر بن مزاحم عن معروف بن خربوذ قال‏:‏ تداعت بنو هاشم وبنو المطلب وأسد وتيم فاحتلفوا على أن لا يدعوا بمكة كلها ولا في الأحابيش مظلومًا يدعوهم إلى نصرته إلا أنجدوه حتى يردوا إليه مظْلمته أو يُبْلوا في ذلك عفرًا وكره ذلك سائر المطيبين والأحلاف بشرهم وسمّوه حلف الفضول ٍعيبَاَ لهم وقالوا‏:‏ هذا من فضول القول فسُمَي حلف الفضول‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيويه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني الضحاك بن عثمان عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه قال‏:‏ سمعت حكيم بن حزام يقول‏:‏ كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار ورسول الله صلي الله عليه وسلم يومئذ ابن عشرين سنه‏.‏

وأخبرني غير الضحاك قال‏:‏ كان الفجار في شوال وهذا الحلف في في القعدة وكان أشرف حِلف كان قط وأول مَنْ دعى إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار عبد الله بن جُدْعان فصنع لهم طعامًا فتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه ما بَل بحرٌ صوفة وفي التآسي في المعاش فسمًت قريش ذلك الحلف‏:‏ حلف الفضول‏.‏

قال محمد بن عمر‏:‏ فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن عبد الرحمن بن زاهر عن جبير بن مطعم قال‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ مَا أحب أن لي بحِلْفٍ حَضَرْتُهُ في دَارِ عبد الله بن جُدْعَان حُمْرَ النعَم ولو دُعِيت لَه لأجَبْتُ وَهُو َحِلْفُ الفُضُول ‏"‏‏.‏

قال محمد بن سعد قال ابن عمر‏:‏ ولا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف‏.‏

ومن الحوادث من هذه السنة أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا عاصم بن الحسين قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن البراء قال‏:‏ سأل عبد اللة بن الزبير عبيد بن عمير عن مبعث النبي صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ أحدثك عن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم وآله وأزواجه رضي اللّه عنهم‏:‏ أن رسول الله صلي الله عليه وسلم شكى وهو يومئذٍ ابن عشرين سنة إلى عمه أبي طالب فقال‏:‏ ‏"‏ إني منذ ليالٍ يأتيني آتٍ معه صاحبان فينظرون إلي ويقولون‏:‏ هو هو ولمَ يأن له‏.‏

فإذا كان رأيك لرجل منهم ساكت فقد هالني ذلك ‏"‏‏.‏

فقال‏:‏ يا بن أخي ليس بشيء حلمت ثم رجع إليه بعد ذلك فقال‏:‏ ‏"‏ يا عم سطا بي الرًجُل الذي ذكرت لك فأدخل يده في جوفي حتي إني لأجد برْدها ‏"‏ فخرج به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطبب بمكة فحدَثه وقال‏:‏ عالجه‏.‏

فصوب به وصعًد وكشف عن قدميه وكشف بين كتفيه وقال‏:‏ يا عبد مناف ابنك هذا طيبٌ طيبٌ للخير فيه علامات إن ظفرت به يهود قتلته وليس الذي يرى من الشيطان ولكنه من النواميس الذين يتجسسون القلوب للنبوة‏.‏

فرجع فقال رسول اللة صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ فما أحسست حسًا ما شاء الله حتى رأيت طيب‏.‏

ثم رده فاستيقظت ‏"‏ قال‏:‏ ‏"‏ ثم رأيت وأنا نائم سقف البيت الذي أنا فيه نُزعت منه خشبة وأدخل سلم فِضة ونزل منه رجلان أحدهما جانبًا والآخر الى جنبي فنزع ضلع جنبي ثم استخرج قلبي فقال‏:‏ نعم القلبُ قلبه قلب رجل صالح ونبي مُبلغ ثم ردا قلبي إلى مكانه وضلعي ثم صعدا والسقف على حاله فشكوت إلى خديجة فقالت‏:‏ لا يصنع الله بك إلا خيرًا‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وسنة إحدى واثنتين وثلاث وأربع لم يجُز ما يكتب فاسقطته‏.‏

 ذكر الحوادث التي كانت في سنة خمس وعشرين من مولده صلي الله عليه وسلم

فمن ذلك خروجه إلى الشام في المرة الثانية في تجارة لخديجة وتزويجه بها رضي الله عنها‏:‏‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف الخشَاب قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني موسى بن شَيْبَة عن عميرة بنت عُبيد الله بن كعب بن مالك عن أمّ سعْد بنت سعْد بن الرَّبيع عن نفيسة بنت مُنية أخت يعلى بن مُنية قالت‏:‏ لما بلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم خمسًا وعشرين سنة قال له أبو طالب‏:‏ أنا رجل فقير لا مال لي وقد اشتد الزمان علينا وهذه عِير قومك قد حضَر خروجُها إلى الشام وخديجة بنت خُوَيْلد تبعث رجالأ من قومك في عيَراتها فلو جئتها فعرضت نفسك عليها لأسرعت إليك فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له فأرسلت إليه في ذلك وقالت‏:‏ أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلًا من قومك‏.‏

فقال له أبو طالب‏:‏ هذا رزق قد ساقه الله إليك فخرج مع غلامها ميسَرَة وجَعَل عُمُومَتُه يُوصُونَ به أهْلَ العِير حتى قَدِما بُصْرَى من أرض الشام فنزلا في ظل شجرة فقال نسطور الراهب‏:‏ ما نزل تحت هذه قط إلا نبي ّ ثم قال لمَيْسَرَة‏:‏ أفي عينيه حُمْرَة فقال‏:‏ نعم لا تفارقه‏.‏

قال‏:‏ هو نبي وهو آخر الأنبياء‏.‏

ثم باع سلعته فوقع بينه وبين رجل تلاحٍ فقال له‏:‏ احلف باللات والعزى‏.‏

فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ مَا حَلَفْتُ بِهمَا قَط‏.‏

وإنّي لأمُر فَأُعْرِض عنهما ‏"‏ فقال الرجل‏:‏ القول قولك ثم قال لميسرة‏:‏ هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتَاَ في كتبهم وكان مَيْسَرَة إذا كانت الهاجرة واشتَدّ الحر يرى مَلَكَين يُطلاَّنِ رسول الله صلي الله عليه وسلم من الشمس فوعى ذلك كله مَيْسَرَة وباعوا تجارتهم وربحوا ضعف ما كانوا يربحون ودخل مكة في ساعة الطهيرة وخديجة في عُلّية لها فرأت رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو على بعيره وملكان يظَلأن عليه فأرته نساءها فعجبن لذلك ودخل عليها رسول الله صلي الله عليه وسلم فخبرها بما ربحوا في تجارتهم ووجههم فسُرت بذلك فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت فقال‏:‏ قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام وأخبرها بما قال الراهب نسطور وبما قال الاخر الذي خالفه في البيع‏.‏

وكانت خديجة امرأةً حازمة جادة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذٍ أوسط قريش نسبأ وأعظمهم شرفًا وأكثرهم مالًا وكل قومهما كان حريصًا على نكاحها لو قدر على ذلك قد طلبوا ذلك وبذلوا الأموال فأرسلتني دَسيسًا إلى محمد صلي الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشام فقلت‏:‏ يا محمد ما يمنعك أن تَزوَج‏.‏

قال‏:‏ مَا بِيَدي مَا أَتَزَوًجُ به‏.‏

قلت‏:‏ فإن كفيت ذلك ودعيت إلي الجمال والمال والشرف والكفاءة ألا تجيب قال‏:‏ فَمَنْ هِيَ قلت‏:‏ خديجة‏.‏

قال‏:‏ وكَيْفَ لي بِذَلِكَ‏.‏

قال‏:‏ قلت‏:‏ علي قال‏:‏ أفْعَلُ فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن أتت الساعة كذا وكذا‏.‏

فأرسلت إلى عمَّها عمرو بن أسد ليزوجها‏.‏

فحضر ودخل رسول الله صلي الله عليه وسلم في عمومته فتزوَجها وهو ابن خمس وعشرين سنة وخديجة يومئذٍ بنت أربعين سنة‏.‏

قال الواقدي‏:‏ هذا غلط والصحيح عندنا المحفوظ عند أهل العلم أن عمها زوًجها وأن أباها مات قبل الفجار‏.‏

وذكر ابن فارس‏:‏ أن أبا طالب خطب يومئذ فقال‏:‏ الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معد وعنصر مُضر وجعلنا حضنة بيته وسوَاس حرمه وجعل لنا بيتًا محجوبًا وحرمًا آمنًا وجعلنا الحكام على الناس‏.‏

ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد اللّه لا يوزن به رجل إلا رجح به وإن كان في المال قل فإن المال ظل زائل وأمرٌ حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل‏.‏

فتزوجها رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت خديجة قد ذُكرت أول ما ذكرت للازواج لورقة بن نوفل فلم يُقْضَ بينهما نكاح فتزوجها أبو هالة واسمه‏:‏ هند وقيل‏:‏ مالك بن النباش فولدت له هند وهالة وهما ذكران ثم خلف عليها بعده عتيق بن عائد المخزومي فولدت له جارية اسمها‏:‏ هند‏.‏

وبعضهم يقدم عتيقًا على أبي هالة ثم تزوجها رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏

قال ابن إسحاق‏:‏ فولدت له ولده كلهم إلا إبراهيم‏:‏ زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة والقاسم وبه كان يُكنى والطاهر والطيب‏.‏

وهلك هؤلاء الذكور في الجاهلية وأدرك الإناث الإسلام فأسلمن وهاجرن معه‏.‏

وقال غيره‏:‏ الطيب والطاهر‏:‏ لقبان لعبد الله وولد في الإسلام‏.‏

وأما منزل خديجة فإنه يعرف بها اليوم اشتراه معاوية فيما ذكر فجعله مسجدًا يُصلي فيه الناس وبناه على الذي هوعليه اليوم ولم يغيره‏.‏

أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه عن أبي صالح عن ابن عباس قال‏:‏ كان أول ولد ولد لرسول الله صلي الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة‏:‏ القاسم وبه كان يُكنى ثم وُلد له زينب ثم رقية ثم فاطمة ثم أم كلثوم ثم ولد له في الإسلام عبدا لله فسُمَي الطيب والطاهر وأمهم جميعًا خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم وكان أول من ماتَ من ولده‏:‏ القاسم ثم مات عبد الله بمكة فقال العاص بن وائل السهمي‏:‏ قد انقطع ولده فهو أبتر فأنزل الله عز وجل ‏"‏ إن شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ ‏"‏‏.‏

قال محمد بن سعد‏:‏ وأخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال‏:‏ مات القاسم وهو ابن سنتين‏.‏

وقال محمد بن عمر‏:‏ وكانت سلمى مولاة صفية بنت عبد المطلب تُقَبل خديجة في ولادها وكانت تعق عن كل غلام شاتين وعن الجارية شاة وكان بين كل وَلَدَيْن لها سنة وكانت تسترضع لهم وتُعِد ذلك قبل ولادتها‏.‏

ذكر الحوادث في سنة إثنتين وثلاثين من مولده صلي الله عليه وسلم فيها‏:‏ خلعت الروم ملكها واسمه موريق وملكَوا مكانه فوقا ثم قتلوه وأبادوا ورثته سوى ابن له هرب إلى كسرى فآواه وتوجه‏.‏

وملكه على الروم ووجه معه ثلاثة نفر من قواده من جنود كثيفة أمَا أحدهم فكان يقال له‏:‏ رُميوزان ووجهه إلى بلاد الشام فدوَخها حتى انتهى إلى أرض فلَسْطين وورد مدينة بيْت المقدس وأخذ أسقُفَها ومَنْ كان فيها من القِسِّيسين وسائر النصارى بخشبة الصليب وكانت قد دُفنت في بستان في تابوت من ذهب وزُرعَ فَوْقها مبقلة فدلُّوه عليها فحفر فاستخرجها وبعث بها إلى كِسْرى في سنة أربع وعشرين من ملكه وأما القائد الآخر‏:‏ فكان يقال له شاهين فسار حتى احتوى على مصر و الإسكندرية وبلادِ النُوبة وبعث إلى كسرى بمفاتيح مدينهْ إسكندرية في سنة ثمان وعشرين من ملكه‏.‏

وأما القائد الثالث فكان يقال له‏:‏ فَرهان فإنَه قصد القسطنطينية حتى أناخ على ضَفًة الخليج القريب منها وخيم هنالك فأمره كسرى فخرب بلاد الروم غصبًا مما انتهكوا من موريق وانتقامًا له منهم ولم يخضع لابن موريق من الروم أحد غير أنَهم قتلوا فوقا وملًكوا عليهم رجلًا يقال له‏:‏ هِرَقْل‏.‏

فلما رأى هِرَقْل ما فيه الروم من تَخْريب فارس بلادهم وقتلهم إياهم وسبيهم لهم تضرع إلى الله تعالى وسأله أن يُنْقِذه وأهل مملكته من جنود فارس فرأى من منامه رجلًا ضخم الجثة عليه بِزة قائمًا في ناحية فدخل عليهما داخل فألقى ذلك الرجل عن مجلسه وقال لهرقل‏:‏ إني قدْ أسلمته في يدك‏.‏

فلم يقصُص رؤْياه تلك في يقظته على أحدٍ فرأى الثانية في منامه أن الرجل الذي رآه في نومه جالسأ في مجلس رفيع وأن الرجل الداخل عليهما أتاه وبيده سلسلة طويلة فألقاها في عُنُق صاحب المجلس وأمكنه منْه وقال له‏:‏ ها أنذا قد دفعتُ إليك كِسْرى بِرمَتِهِ فأغْزُه فإن شئت فإنك مدال عليه ونائل أمْنيتك في غَزَاتك فلما تتابعت عليه هذه الأحلام قصها على عظماء الروم وذوي الرأي منهم فأشاروا عليه أن يغزوَه فاستعد هِرَقْل واستخلف ابنًا له على مدينة قسطنطينية فسار حتى أوغل في بلاد أرمينية ونزل نَصيبين بعد سنةٍ فلما بلغ كسرى نزول هِرَقْل في جنوده بنصيبين وجَّه لمحاربته رجلًا من قواده يقال له‏:‏ راهزار في اثني عشر ألف فارس وأمره أن يقيم بنِينَوَى في مدينة الموصل على شاطىء دجلة ويَمنَعَ الروم أن تجوزها فنفذ راهزار لأمْر كسرى وعسكر حيث أمره فقطع هِرَقْل دِجْلة في موضع آخر إلى الناحية التي كان فيها جند فارس فأذْكى راهزار عليه العيون وأخبروه أنه في سبعين ألفَاَ وأيقن بالعجز عنه فكتب إلى كسرى يخبره بعجزه وكتب كسرى‏:‏ إنكم إن عجزتم عن الروم لم تعجزوا عن بذل دمائكم في طاعتي فناهَضَ الروم فقتل ومعه ستة آلاف رجل وانهزم الباقون فبلغ ذلك كسرى فتهيأ وتحصن بالمدائن لعجزه وسار هرقل حتى قارب المدائن فلما استعد كسرى لقتاله انصرف إلى أرض الروم‏.‏

قال عكرمة‏:‏ كانت في فارس امرأة لا تَلِدُ إلا الأبطال فدعاها كسرى فقال‏:‏ إني أريد أن أبْعَثَ إلى الروم جيشًا وأستعْمِل عليهم رجلًا من بنيك فأشِيري علي أيهم أستعمل‏.‏

فقالت‏:‏ هذا فَرخان أنفذُ من سِنان وهذا شَهْربَراز أحْلم من كذا‏.‏

قال‏:‏ فإني قد استعملت الحليم فاستعمل شَهْربَراز فسار إلى الروم بأرض فارس وظهر عليهم فقتَّلهَم وخَرب مدائِنهُم وقطع زيتونَهم‏.‏

فلمَّا ظهرت فارس على الروم جلس فَرخان يشرب فقال لأصحابه‏:‏ رأيتُ كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كِسْرى فكتب إلى شَهْرَبراز إذا أتاك كتابي هذا فابعث إلي برأس فَرخان‏.‏

فكتب إِليه‏:‏ أيها الملك إنك لن تجد مثل فَرخان إن له نكايةً وصوْتًا في العدو فلا تفعل‏.‏

فكتب إليه‏:‏ إن في رجال فارس خَلفًا منه فعجل علي برأسه‏.‏

فراجعه فغضب كِسْرى ولم يجِبْه وبعث بريدًا إلى أهْل فارس‏:‏ إِني قد نزعت عنكم شَهْربَراز واستعملتُ عليكم فَرُّخان‏.‏

ثم دفع إلى البريد صحيفةً أخرى صغيرة وقال‏:‏ إذا ولي فَرخان الملك وانقادَ له أخوه فأعطِه هذه الصحيفة‏.‏

فلما قرأ شَهْرَبراز الكتاب قال‏:‏ سمعًا وطاعةً ونزل عن سريره وجلس فَرخان فدفع الصحيفة إليه فقال‏:‏ ائتوني بشَهْربَراز فقدمه ليضرب عُنُقُه‏.‏

فقال‏:‏ لا تعجل عليً حتى أكتب وصِيًتي قال‏:‏ نعم‏.‏

فدعا بالسفَط فأعطاه ثلاث صحائف وقال‏:‏ كل هذا راجعتُ فيكَ الملك وأنت أردتَ أن تقتلني بكتاب واحدٍ فرد المُلْكَ إلى أخيه وكتب شَهْربَراز إلى قيْصر ملك الرُّوم‏:‏ إن لي إليك حًاجةً لا تحملها البُرُد ولا تبلّغها الصحف فالقَنِي ولا تلقني إلا في خمسين فارسًا فإني ألقاك في خمسين فارسيًا‏.‏

فأقبل قيْصَرُ في خمسمائة ألف رومي وجعل يَضعُ العُيون بين يديْه في الطريق وخاف أن يِكون قد مَكَرَ به حتى أتته عُيُونه أنه ليْس معه إلا خمسون رجلًا ثم بُسِط لهما والتقيا في قُبًه ديباج ضُربت لهما مع كل واحد منهما سكين فدعا تُرْجُمانًا بينهما فقال شَهْرَبراز‏:‏ إن الذين خربوا مدائِنَك أنا وأخي بكيْدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا فأراد أنْ أقتل أخي فأبَيْتُ ثم أمر أخِي أن يقتلني فقد خلعناه جميعًا فنحنُ نقاتله معك‏.‏

قال‏:‏ قد أصبتُما ثم أسر أحدهما إلى صاحبه‏:‏ أن السًر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فَشَا‏.‏

قال‏:‏ أجَلْ فقتلا الترْجمان جميعًا بسكينيهما فكان هذا أحد أسباب هلاك كسرى‏.‏

من مولده صلي الله عليه وسلم في هذه السنة هدمت قريش الكعبة قال ابن اسحاق‏:‏ كانت الكعبة رَضْمأ فوق القامة فأرادت قريش رفعها وتسقيفها وكان نفر من قريش وغيرهم قد سرقوا كنز الكعبة وكان يكون في بئر في جوف الكعبة فهدموها لذلك وذلك في سنة خمس وثلاثين من مولد رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏

وروى هشام بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان إبراهيم وابنه اسماعيل يليان البيت وبعد إسماعيل ابنه نبت ثم مات نبت ولم يكثر ولد إسماعيل فغلبت جرْهم على ولاية البيت فقال عمرو بن الحارث بن مضاض من ذلك‏:‏ وكنا ولاةَ البيت من بَعْد نابت نطوفُ بذاك البيت والخير ُظاهر وكان أوَل مَنْ ولي البيت من جُرْهم مضاض ثم وليه بعده بنوه كابرًا عن كابرٍ حتى بغت جُرْهم بمكة واستحلوا حرمتها وأكلوا مال الكعبة الذي يُهدى إليها وظلموا مَنْ دخل مكة ثم لم يتناهوا حتى جعل الرجل منهم إذا لم يجد مكانأ يزني فيه دخل الكعبة فزنا‏.‏

فزعموا أن إسافًا بغى بنائلة في جوف الكعبة فمُسِخا حجرين وكانت مكة في الجاهلية لا ظلم فيها ولا بغي ولا يستحل حرمتها ملك إلا هَلَك مكانه فكانت تسمى‏:‏ الباسة وتسمى‏:‏ بكة كانت تبُك أعناق الجبابرة الذين يبغون فيها ولما لم تنته خرْهم عن بغيها وتفرق أولاد عمرو بن عامر عن اليمن فانخزع بنو حارثة بن عمرو قاطنو تهامة فسميت خزاعة لأنهم انخزعوا وبعث الله عز وجل على جُرْهم الرعاف والنمل فأفناهم فاجتمعت خزاعة ليجلوا من بقي ورئيسهم يومئذٍ عمرو بن ربيعة بن حارثة وأمه فهيرة بنت عامر بن الحارث بن مُضاض فاقتتلوا فلما أحسق عامر بالهزيمة خرج بغزَالي الكعبة وحجر الركن وجعل يلتمس التوبة فلم تقبل توبته فألقى غزالي الكعبة وحجر الركن في زمزم وخرج مَنْ بقي مِنْ جُرْهم إلى أرض الحبشة‏.‏

فجاءهم سيل فذهب بهم‏.‏

وولي البيت عمرو بن ربيعة‏.‏

وقيل‏:‏ بل وليه عمرو بن الحارث الغساني‏.‏

فقال عمرو بن الحارث في ذلك‏:‏ كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يَسْمُر بمكة سامر بلى نحن كُنًا أهلها فأزالنا صُروفُ الليالي والجُدود العَوائر وقال عمرو أيضًا‏:‏ يا أيها الناس سيروا إن قَصْركم أن تُصبحوا ذات يوم لا تَسيرونا حًثوا المطي وأرْخوا من أزمتها قبلَ الممات وَقَضوا ما تقضونا وكان يقول‏:‏ اعملوا لآخرتكم وأفرغوا من حوائجكم في الدنيا‏.‏

فوليت خزاعة البيت غير أنه كان في قبائل مُضر ثلاث خلال‏:‏ الإجارة بالحج للناس من عرفة وكان ذلك إلى الغوث بن مُر وهو صوفة فكانت إذا كانت الإجارة قالت العربُ‏:‏ أجيري صوفة‏.‏

والثانية‏:‏ الإفاضة من جمع غداة النحر إلى منى فكان ذلك إلى بني زيد بن غزوان فكان آخر مَنْ ولي ذلك منهم أبو سيارة عميلة بن الأعزل بن خالد بن سعد بن الحارث بن وابش بن زيد‏.‏

والثالثة النسيء للشهور الحُرم وكان ذلك إلى القلمس وهو حذيفة بن فقيم بن عدي من بني مالك بن كنانة ثم في بيته حتى صار ذلك إلى جُرْهم أبي ثمامة وهو جنادة بن عوف بن أمية بن فلخ بن حذيفة فقام عليه الإسلام فلما كثرت معه تفرقت‏.‏

وأما قريش‏:‏ فلم يفارقوا مكة فلما حفر عبد المطلب زمزم وجد غزالي الكعبة اللذين كانت جُرْهم دفنتهما فيه فاستخرجهما قال ابن اسحاق‏:‏ وكان الذي وجد عنده كنز الكعبة دويك مولى لبني ملج من خزاعة فقطعت قريش يده وكان البحر قد رمى سفينة إلى جدة فتحطمت ‏"‏ فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها وكان بمكة رجل قبطي نجار وكانت حيًة تخرج من بئر الكعبة التي يُطْرح فيها ما يُهدى لها كل يوم فتتشرَق على جدار الكعبة وكانوا يهابونها ذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا احْزَأئَتْ وكَشَتْ وفتحت فاها فبينا هي يومًا تتشرق على جدار الكعبة بعث الله عليها طائرأ فاختطفها فذهب بها فقالت قريش‏:‏ إنا لنرجو أن يكون اللَهُ قد رضي ما أردنا عندنا عامل رفيق وعندنا خشب وقد كفانا الله الحية‏.‏

وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة ورسول الله صلي الله عليه وسلم عامئذ ابن خمس وثلاثين سنة‏.‏

فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنائها قام أبو وَهْب بن عَمْرُو بن عمير بن عائد بن عمران بن مخزوم فتناول من الكعبة حجرًا فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه فقال‏:‏ يا معشر قريش لا تدخلوا في بنائها من كَسْبكم إلا طَيبًا ولا تدخلوا فيها مهر بغي ولا بيع ربًا ولا مظلمة أحد من الناس‏.‏

قال‏:‏ والناس يَبخلَون هذا الكلام للوليد بن المغيرة وأبي وهب خال أبيرسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏

ثم إن الناس هابوا هَدْمها وفَرقُوا منه‏.‏

فقال الوليد بن المغيرة‏:‏ أنا أبدأ في هَدْمها فأخذ المِعولَ ثم قّام عليها وهو يقول‏:‏ اللهم لا تُرَعْ اللهم لا نريد إلا الخير ثم هدم من ناحية الركنَيْن فتربص الناسُ به تّلك اللَيلةَ وقالوا‏:‏ ننظر فإن أُصيب لم نهدم منها شيئًا وردَدْناها كما كانت وإنْ لم يُصِبْه شيء فقد رضي اللة عز وجل ما صنعناه‏.‏

فأصبح الوليد غاديًا على عمله فهدم والناس معه وتحرك حجر فانتقضت مكة بأسرها وما زالوا حتى انتهى الهدم إلى الأساس فأفضوا إلى حجارة خُضْر كأنها أسنمة ثم بنوا حتى إذا بلِغ البنيان موضع الركن اختصموا فيه كل قبيلة تُريد أن ترفعه حتى تواعدوا للقتال وقرَبت بنو عبد الدار جَفْنة مملوءة دمًا وأدخلوا أيديهم في الدم وتعاقدوا على الموت فسُموا لعْقَة الدم فمكثوا أربع ليال أوخمس ليالٍ كذلك ثم تشاروا وكان أبو أمية بن المغيرة أمير قريش حيئذٍ فقال‏:‏ اجعلوا بينكم أول مَنْ يدخل من باب هذا المسجد فكان أوَل مَنْ دخل عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا الأمين قد رضينا به هذا محمد فلما انتهى إلهم وأخبروه الخبر قال‏:‏ ‏"‏ هلم إليّ ثوبًا‏.‏

فاتي به فأخذ الركن فوَضَعه فيه بيده ثم قال‏:‏ لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم قال‏:‏ ارفعوه جميعًا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه وكانت قريش تسمي رسول اللة صلي الله عليه وسلم قبل أن ينزل الوحي‏:‏ الأمين‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو محمد الجوهري قال‏:‏ أخبرنا عمر بن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال‏:‏ حدثنا محمد بن سعد‏.‏

قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن واقد قال‏:‏ حدثني عبد الله بن يزيد الهذلي عن أبيه وعبد الله بن يزيد الهذلي عن أبي غطفان عن ابن عباس قال‏:‏ وحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا‏:‏ كانت الجُرْف مطلة على مكة وكان السيل يدخل من أعلاها حتى يدخل البيت فانصدع فخافوا أن ينهدم وسرق منه حليه وغزال من ذهب كان عليه در وجوهر وكان موضوعًا بالأرض فأقبلت سفينة في البحر فيهما روم ورأسهم باقوم وكان بانيًا فجنحتها الرّيح إلى الشَعَيْبة وكانت مرسى السفن قبل جدة فتحطمت السفينة فخرج الوليد بن المغيرة في نفر من قريش إلى السفينة فابتاعوا خشبها وكلموا الرومي باقومَ فقدم معهم وقالوا‏:‏ لو بنينا بيتَ ربّنا‏.‏

فأمروا بالحجارة تُجمع فبينا رسول الله صلي الله عليه وسلم ينقل معهم وهو يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة وكانوا يضعون أُزْرهم على عواتقهم ويحملون الحجارة ففعل ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم فلُبط به ونودي‏:‏ عورتك فكان ذلك أول ما نودي‏.‏

فقال أبو طالب‏:‏ يا ابن أخي اجعل إزارك على رأسك قال‏:‏ ما أصابني ما أصابني إلا في تعديَ فما رويت لرسول الله صلي الله عليه وسلم عورة بعد ذلك فلما اجمعوا على هدمها قال بعضهم‏:‏ لا تُدخلوا في بنائها من كسبكم الأ طيبًا ما لم تقطعوا فيه رحمًا ولم تظلموا فيه أحدًا فبدأ الوليد بن المغيرة بهدمها فأخذ المعول ثم قام عليها يطرح الحجارة وهو يقول‏:‏ اللَّهم اللهم لا تُرع إنما نريد الخير فهدم وهدمت معه قريش ثم أخفوا في بنائها وميزوا البيت واقترعوا عليه فوقع لعبد مناف وزُهرة ما بين الركن الأسود إلى ركن الحِجر وجهُ البيت ووقع لبني أسد بن عبد العُزى وبني عبد الدار ما بين ركن الحجر إلى ركن الحجر الأخر ووقع لتيم ومخزوم ما بين ركن الحجر إلى الركن الركن اليماني‏.‏

ووقع لسهم وجُمح وعدى وعامر بن لؤي ما بين الركن اليماني إلى الركن الأسود فبنوا ولما انتهوا إلى حيث يُوضع الركن من البيت‏.‏

قالت كل قبيلة‏:‏ نحن أحق بوضعه فاختلفوا حتى خافوا القتال ثم جعلوا بينهم أول مَنْ يدخل من باب بني شَيْبَة فيكون هو الذي يضعه قالوا‏:‏ رضينا وسلمنا‏.‏

فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم أوًل مَنْ دخل من باب بني شَيْبة فلما رأوه قالوا‏:‏ هذا هو الأمين قد رضينا بما قضى بيننا ثم أخبروه فوضع رسول الله صلي الله عليه وسلم رداءه وبسطه في الأرض ثمَّ وضع الركن فيه ثُمَ قال‏:‏ ليأت من كل رُبع من أرباع قريش رجل وكان في ربع عبد مناف عتبة بن ربيعة وكان في الربع الثاني‏:‏ أبو زمعة وكان من الربع الثالث‏:‏ أبو حذيفة بن المغيرة وكان فى الربع الرابع‏:‏ قيس بن عدي ثم قال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ليَأخُذْ كُل رَجُلٍ مِنْكُمْ بِزَاوِيَة من زَوَايَا الثّوْب ثُم ارْفَعُوهُ جَميعا ً ‏"‏‏.‏

فرفعوه ثم وضعه رسول اللّه صلي الله عليه وسلم بيده في موضعه ذلك فذهب رجل من أهل نجد ليناول النبي صلي الله عليه وسلم حجرًا يشد به الركن فقال العباس بن عبد المطلب‏:‏ لا وناول العباس حجرًا فشد به الركن فغضب النجدي حين نُحِّي فقال رسول الله صلي الله عليه سلم‏:‏ ‏"‏ إنهُ لَيْسَ يَبْني مَعَنَا في البَيْتِ إلا مِنا ثم بنوا حتى انتهوا إلى موضع قال محمد بن عمر‏:‏ وأخبرنا ابن جريج عن الوليد بن عطاء عن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إن قَوْمَك اسْتَقْصَرُوا مِنْ بُنْيَانِ الكَعْبَةِ ولوْلا حَدَاثَةُ عَهْدِهِمْ بالشًرْكِ أعَدْتُ فيهِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فإنْ بَدَا لَقوْمِكِ مِنْ بَعْدي أَنْ يَبْنُوهُ فَهَلمي أُرِيكِ مَا تَرَكُوا مِنه ‏"‏ فأراها قريبًا من سبع أذرع في الحجر‏.‏

قالت‏:‏ وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه‏:‏ ‏"‏ وَلَجَعَلْتُ لهَا بَابَينِ مَوْضُوعَيْنِ في الأرْض شَرْقيأ وغَرْبيًا أتدْرِينَ لِمَ كَانَ قَوْمُك رَفَعُوا بَابَها فقلت‏:‏ لا أدري فقال‏:‏ ‏"‏ تعَززًا الأ يَدْخُلهَا إلأ مَنْ أرادُوا ‏"‏ وكان الرجل إذا كرهوا أن يدخل تركوه حتى إذا كاد يدخل دفعوه حتّى يسقط‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور بن عبد العزيز العكبري قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال‏:‏ أخبرنا عمر بن الحسين الشيباني قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال‏:‏ أخبرني محمد بن صالح القرشي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني ابن أبي سُبرة عن أبي جعفر محمد بن علي قال‏:‏ بنيت الكعبة ورسول اللة صلي الله عليه وسلم ابن خمس وثلاثين سنة‏.‏

فصل في هذه السنة وُلدَتْ فاطمة بنت رسول الله وفيها‏:‏ مات زيد بن عمرو بن نفيل وكان يَطْلُب الذَين وقدم الشام فسأل اليهود النصارى عن الدين والعلم فلم يُعْجِبْه دينهم فقال له رجل من النصارى‏:‏ أنت تلتمس دين إبراهيم‏.‏

فقال زيد ‏:‏ وما دين إبراهيم قال‏:‏ كان حنيفًا لا يَعْبُدُ الأ اللَهَ وحده لا شريك له كان يُعادي مَنْ عَبَدَ من دون الله شيئًا ولا يأكل ما ذُبح على الأصنام‏.‏

فقال زيد‏:‏ هذا الذي أعرف وأنا على هذا الدين فأما عبادة حجر أو خشبة أنْحِتُها بيدي فهذا ليس بشيء‏.‏

فرجع زيد إلى مكه وهو على دين إبراهيم وكان يقول‏:‏ هذه الشاة خلقها الله وأنزل من السماء ماء فأنبت لها الأرض ثم تذبحونها على غير اسمه ينكر عليهم ذلك ولقي رسول الله صلي الله عليه وسلم فَقدَمً إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم‏.‏

سُفرةً فيها لحم فقال‏:‏ إني لا آكل مما تذبحون على أصنامكم ولا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن معروف قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن الفهم قال‏:‏ أخبرنا محمد بن سعد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر قال‏:‏ حدثني علي بن عيسى الحكمي عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال‏:‏ كان زيد بن عمرو بن نفيل يطلب الذَين وكره النصرانية واليهودية وعبادة الأوثان‏.‏

والحجارة وأظهر خلاف قومه واعتزل آلهتهم وما كان يعبد آباؤهم ولا يأكل ذبائحهم‏.‏

فقال لي‏:‏ يا عامر إني خالفت قومي واتبعت ملَّة إبراهيم وما كان يعبد ولده إسماعيل من بعده‏.‏

فقال‏:‏ وكانوا يصلون إلى هذه القبلة وأنا انتظر نبيًا من ولد إسماعيل يُبْعَثُ ولا أرانىِ أدْركه فأنا أُؤمن به وأصَدقه وأشهد أنه نجي فإن طالت بك مدة فرأيته فأقْرِئْهُ منَي السلام‏.‏

قال عامر‏:‏ فلما تنبأ رسول الله صلي الله عليه وسلم أسلمت وأخبرته بقول زيد وأقْرأتُه منه السلام فرد عليه رسول الله السلام وترحم عليه وقال‏:‏ ‏"‏ قد رأيتُه في الجنة يسْحَبُ ذُيولًا ‏"‏‏.‏

أنبأنا علي بن عبيد الله الفقيه قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن هارون الضبي قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن محمد بن محمد بن بكر التمار وقال‏:‏ أخبرنا أبو داوود سليمان بن الأشعث قال‏:‏ حدثنا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أسامة بن زيد قال‏:‏ خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو مرد في خلفه فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل فقال له رسول الله صلي الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ما لي أرى قومك قد سبقوك ‏"‏ قال‏:‏ لأني أراهم على ضلال فخرجت أبتغي الدين فأتيت على أحبار يثرب فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت‏:‏ ما هذا بالدين الذي أبتغي فخرجت حتى أحبار الشام فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به فقلت‏:‏ ما هذا الذي ابتغي من الدين فخرجت حتى قدمت على أحبار وائلة فوجدتهم كذلك فقال لي حبرُ من أحبار أهل الشام‏:‏ إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدًا يعبد الله به إلا شيخأ بالحيرة أفقدمت عليه فقال‏:‏ إنك لتسأل عن دين هو دين الله عز وجل ودين ملائكته وإنه خرج في زمانك نبي أو خارج قد خرج نجمه ارجع فصدقه وآمِنْ به‏.‏

فرجعت‏.‏

قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لزيد‏:‏ ‏"‏ يأتي يوم القيامة أمةً وحده ‏"‏ قال أبو داود‏:‏ وحدثنا يحيى بن معين قال‏:‏ حدثنا الحجاج بن محمد قال‏:‏ أخبرنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد عن جده قال‏:‏ خرج زيد بن عمرو وورقة بن نوفل يطلبان الدين حتى أتيا الشام فتنصر ورقة ومضى زيد حتى انتهى إلى الموصل فمر على راهب فقال له الراهب‏:‏ من أين أقبل صاحب البعير قال‏:‏ من بني إبراهيم‏.‏

قال‏:‏ وما الذي تطلبُ قال‏:‏ الدين‏.‏

قال الذي تطلب يوشك أن يظهر بأرضك فعاد فسجد نحو الكعبة‏.‏

قال أبو داوود‏:‏ وأخبرنا موسى بن إسماعيل قال‏:‏ حدثنا حماد قال‏:‏ أخبرنا هشام بن عروة عن عروة‏:‏ أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل ذهبا نحو الشام في الجاهلية يلتمسان الدين فأتيا على راهب فسألاه عن الدين فقال‏:‏ إن الدين الذي تطلبان لم يجىء بعد وهذا زمانه فإن الدين يخرج من قبل تيماء فرجعا فقال ورقة‏:‏ أما أنا قائم على نصرانيتي حتى يبعث هذا الدين وقال زيد‏:‏ أما أنا فأعبد رب هذا البيت حتى يبعث هذا الدين‏.‏

ومات زيد فرثاه ورقة فقال دعاءك ربأ ليس رب كمثلِه وتركَك أوثان الطواغي كما هيا قال أبو داوود‏:‏ وحدثنا محمد بن العلاء قال‏:‏ أخبرنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت‏:‏ لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول‏:‏ يا معشر قريش ما منكم اليوم أحد على دين إبراهيم غيري‏.‏

وكان يحيي الموْءودة يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته‏:‏ مهلًا لا تقتلها أنا أكفيك مؤونتها‏.‏

فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها‏:‏ إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤونتها‏.‏